صحيح أنه يحرص على أداء الصلوات الخمس ويبذل قصارى جهده لتكون في جماعة أو في المسجد ويحرص على الظهور بمظهر الملتزم والورع والتقي متخذا من ذقنه قناعاً يخرج به إلى الناس يتوخى من خلالها بالإضافة إلى كونها سُنَّة أن يكون الحكم فيه وعليه إليها .
كيف لا وهو المهرول إلى صلاة الفجر هرولة والساعي إلى سائر الأوقات سعياً في كل خطوة يثاب حسنة وتسقط سيئة مع أنه على قناعة أن جانب السيئات عنده معطل فهو فقط يحصل على حسنات وفقط حسنات وهو على يقين بأنه يكاد يصل إلى مرتبة الصحيح والحسن ومنزلة الشهداء والمبشرين بالجنة .
له عين ثاقبة في الحكم على الغير وفي تقييم وتقويم كل شيء إلا ذاته ونفسه فهي في مأمن عن الخطأ وفي عصمة من الزلل .
يحسن التبرير والتعليل ويستعين بكل ما يمكن الاستعانة به من أجل دعم مواقفه وحكمه على الأشياء والحوادث ومجريات الأمور والبشر عامة.
ويعتقد أن الله حباه دون سواه بالعقل والإيمان والتقوى ويؤمن أنه يسلك طريقاً يوصله إلى بر الأمان وسيعبر الصراط إلى سلام عليكم طبتم فادخلوها آمنين .
هذه الصورة ما هي إلا واحدة من كثير تنتشر في مجتمعاتنا وفيها يكمن الخطر !
كيف لا وحقيقة أمره ناصعة البياض فهو لا يتوانى عن أي عمل يظن أنه به سيسمو ويرتفع أو سيحقق إنجازات لنفسه ولو على حساب غيره ولو بإثارة القلاقل والهمز واللمز والفساد والفتنه والطعن في الغير وقذف المحصنات والقيل والقال والتمسح والتذبذب والاشتغال في الناس وحبك المكائد وإشعال الفتنة والغريب أنه يقولب كل هذا في قوالب يوهم نفسه بأنها الصحيحة والسليمة بل ويعرضها على أنها رسالة خالدة وضرورة ملحة وفرض عين عليه من دون سائر البشر وهو لا يتذكر قول الله تعالى :- (( ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام.وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد )). ( سورة البقرة – الآية 204 - 206)
سبحان الله كيف شغلتنا عيوب الناس عن عيوبنا فصرنا لا نرى في أنفسنا إلا الخير ولو وهماً ونقنع أنفسنا ونبرر بصدق منهجنا ولا نقبل من غيرنا ذرة انتقاد أو مجرد ملاحظة بسيطة ولو تجرأ أحدهم على ذلك فسيُخرج من الملة ويُتَّهَم بالزندقة أو العلمانية والعياذ بالله .
سبحان الله كيف نتعامل مع الأمور بسهولة , ونسب هذا ونشتم هذا ونكفر هذا ونهدر دم هذا ونقارع بالحجة والبرهان ولا نعي قول الحق تبارك وتعالى :- ((إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ)) ( سورة النور الآية 15-16).
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :-(( سباب المسلم فسوق وقتاله كفر )) رواه البخاري ومسلم وغيرهما .
والمدهش أن هذه العينة والنوعية من الناس تجيز لنفسها وتحلل لذاتها ما تحرمه على الغير فالشيطان ثالثهما لا ينطبق عليه لأنه من الأولياء وسعي غيره فساد وسعيه صلاح ورشاد وكلام غيره مغيبة وكلامه نصح وإرشاد وحق وتقويم وانتقاد .
الجدية والرزانة والصبر والإخلاص في القول والعمل عند غيره حقد وكراهية وضعف وبغضاء وعبوسه وقلة حيلته وجهله وخداعه ومكره هي الجدية والقوة والدراية والحكمة والصفاء.
لا تجد له دورا ولا ثقلاً ولا وزنا ولا يشتغل إلا بالرماد والفساد والتغبس والتلصص والتجسس وحبك المؤامرات مع أقرانه والتذبذب والتقرب والتخطيط لضرب من يعلون عليه فهماً وعلماً ونوراً وقدرات وإمكانيات وتضحية وعطاء .
هذه الصورة المؤلمة المنتشرة في جوانب حياتنا التي أصابها الوهن وعم فيها الوهم ولا تدبير إلا تدبير الله .
هذه الصورة تقابلها صورة أخرى فيها من الاختلاف الكثير ولكن المشترك فيها بالعاقبة والمصير فهي صورة من لا يتردد على المساجد ولا يحرص على صلاة ولا صيام ويشتغل بالدسائس والناس نيام , يأَمر بالمنكر، وينَهى عن المعروف، ويجعل من نفسه ألعوبةً بيد الظالمين، وأداةً للمستكبرين، يحرص على حلق ذقنه ويولي الأهمية لمظهره وهندامه وهو على قناعة تامة أنه أفضل بكثير ممن يظهرون بمظاهر الورع والتقوى بل ويسميهم أصحاب الذقون المزيفة
له عين ثاقبة في الحكم على الغير وفي تقييم وتقويم كل شيء إلا ذاته ونفسه فهي في مأمن عن الخطأ وفي عصمة من الزلل .
يحسن التبرير والتعليل ويستعين بكل ما يمكن الاستعانة به من أجل دعم مواقفه وحكمه على الأشياء والحوادث ومجريات الأمور والبشر عامة.
يرفض للعقيدة الإسلامية أنْ تَعُمّنا، وللشريعة الإيمانية أنْ تَحْكُمنا، ويحاربها بكل الوسائل، ومن لم ينبع تفكيره من مبادئ الشريعة ضل، ومن لم يستمد سلوكه من أخلاقها انحرف، ومن لم يقيد أعماله بأحكامها ظلم.. (هكذا علمتني الحياة: السباعي رقم 1138، ص198)
يبذل في المكر والغدر الكثير، ويبيت ليلَه يحِيك المؤامراتِ، ويدبر المكائد، ضدَّ الأبرياء، طُمِس على بصيرته، بعد أنْ عميتْ عيناهُ فلَمْ يَرَ الحقَّ، وصُمَّت أُذُناه فلم يَستمعْ إلى الصِّدق، وغُلِّف قلبُه فَلَمْ يَفهمْ حقيقةَ وُجوده، وجعلَ كلَّ همّه كَيداً ومكراً ضد الأبرياء، ويحسبُ ذلك هيناً وهو عند الله عظيم.
ثلاثٌ مَنْ كُنَّ فيه كُنَّ عليه.. المكر، قال تعالى: {وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ}(فاطر:43)، النُّكْث: لقوله تعالى: {فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ}(الفتح:10)، البغي: قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ}(يونس:23).. و(من أقام حُكمه على الغدر والخداع، فقد أقامه على حجر متدحرج).(هكذا علمتني الحياة: السباعي رقم 1096 ص192).
ومع هذا كله فهو يعتقد أن الله حباه دون سواه بالعقل وأنه من جنس فريد وفخذ عنيد وأصل عتيد ويؤمن أنه يسلك طريقاً يوصله إلى بر الأمان وسيعبر الصراط إلى سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين قبل الكثير من الناس على الرغم من وضوحه ومكابرته وجهره بالتقصير في جنب الله فهو إلى جانب كل هذا لديه النية على العزم على التوجه على طرق باب التوبة في يوم من الأيام وأن الله غفور رحيم .
هذه الصورة ما هي إلا واحدة من كثير تنتشر في مجتمعاتنا وفيها أيضاً يكمن الخطر !
كيف لا وحقيقة أمره ناصعة البياض فهو لا يتوانى عن أي عمل يظن أنه به يسمو ويسود ويحكم ويسيطر على غيره , والمقصود أي عمل بمعنى أي عمل على وجه الإطلاق وهو لا يعرف الشكر لله فكيف يشكر خلق الله , عديم الضمير لا يعرف الثناء والتقدير لأنه فاقد للخير وكل جوانبه ومحتوياته بالضغينة والكراهية والحقد والتحقير ولا يملك إلا سلاح الفرِّق تَسُد ولا يُعرف للرجولة عنده موقفاً واحداً , يتخصص في السب والتحقير والذم حتى لأقرب المقربين إليه و كل حياته فتن , يملك وجهين , وجه أمامك ووجه خلفك , لا يعرف حدود الحلال والحرام إلا إذا أراد تقييم غيره أو أراد التشهير بسواه , لا ينظر إلى دوره وعمله وإلى فعل يديه بل يبرر ذلك بالدبلوماسية والحنكة والتفرغ والضغوط ويقولب نفسه في قوالب المخلصين الذين يضحون بالوقت والجهد .
والمدهش أن هذه العينة والنوعية من الناس تجيز لنفسها وتحلل لذاتها ما تحرمه على الغير فالقوانين والنظم لا تنطبق عليه لأنه من أهل الصفة والأولياء وسعي غيره فساد وسعيه صلاح ورشاد وكلام غيره مغيبة وكلامه نصح وإرشاد وحق وتقويم وانتقاد للعباد.
هذه الصورة لعيِّنةٍ من المتسلقين الذين بقلة حيلتهم وجبنهم وجهلهم يعيثون في الأرض الفساد ويهلكون الحرث والزرع والنسل ويتسببون في خراب ودمار ما بعده خراب ودمار .
بينما الصورة المشرفة الخالدة هي صورة العاملين الذين يورثهم الله سبحانه وتعالى الأرض
حيث قال في كتابه العزيز : (( وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثْنَا الأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ )) ( سورة الزمر الآية 74).
وأقتبس من أقوال بعض الصالحين حيث قيل :-
* العِلم من غير عملٍ هباء، والعِلم والعمل من غير أدبٍ هراء، والأدبُ حِليةٌ يتجمَّل بها المرء،
وربما أغنتْ عن كثير من العلمِ والعمل، ولا يظهر أدبُك إلا بِحُبِّك الصالحينَ أيَّاً كانوا، وحيثما
وُجِدوا، ومن الأدب أنْ تُحسن الظنَّ بهم، وأنْ تذكر محاسنهم، وأن تكفّ عن مساوئهم.. ولا
تعاضد أهل السوء لمصلحة أو منفعة تحسب انك بها ستبلغ أبعد مما كنت ستبلغه بدونهم .
* إنَّمـا العلـمُ كلحــمٍ وَدَم ما حَواه جسـدٌ إلا صَلَـح
وكذا الآدابُ في كـلِّ فَتَـى كزنـادٍ أينمـا حَـلَّ قـَدَح
إنْ يُـوازَنْ رجـلٌ ذُو أدبٍ بألوفٍ مِن ذَوي الجهلِ رَجَح
* يا مَنْ شَغَلْت قلبَك بما لا يفيد، وجعلت جوارحَك تمتدُّ إلى ما ليس لك، أمَّا لسانك، فهو لا يكفّ
عن الكذب، والافتراء، وتهمة الأبرياء، وإذا كان المسلمون عندما يفَتَحوا أرضاً في أفريقيا،
يعَجب سكان تلك المناطق من وجود كمامات على أفواه دوابِّ المُسلمين، فلما سألوهم قالوا
لهم: حتى لا تَقَع دوابُنا على زرعٍ، أو مالٍ يملكه الغَير، فنكون قد أكلْنا حراماً... مما كان سبباً
في إسلام أهل تلك البلاد.. ومن هنا أقول : إنَّ كثيراً من الأفواه هي أَوْلى بالكمامات من تلك
الأنعام، حتى لا تنطق كذباً، وتقول باطلاً، والعجيبُ أنَّهم يثرثرون في أعراض الناس وينسون
أعراضهم ، وكل كلمةٍ تَصدر منهم هي قاصمة عند الله، ويفعلون ذلك، ويحسبونه هيناً وهو
عند الله عظيم..
* يَا مَنْ تَعترض على موقف وتزعم أنَّه خطأ، لأنَّه لا يُوافِق هَوَاك، وَهَبْ جَدلاً أنَّ خطأ فهل هُوَ
الخَطأ الوحيد في المجتمع؟ فأينَ اعتراضك على شَتْمِ الله؟ وسبِّ الدِّين؟ وأين اعتراضك على
المجاهرة بالذنب؟ وسيل المفرقعات وترويع الآمنين؟ وأين اعتراضك على جرأةِ التلاميذ على
المُدرِّسِين؟ وأين اعتراضك على نومِ كثيرين في بيوتهم دونَ عمل؟ في الوقت الذي يَتقاضَون
فيه مُرتباتٍ عالية؟ أين ردك على السفور والعري والفجور؟ أين مواقفك ممن يعيثون في
الأرض فساداً؟ أين اعتراضك على الغش والخداع؟ أين موقفك من نفسك عندما تغدر؟
وعندما لا تحفظ الجميل ؟ أين سلطانك في بيتك ؟ أين مواجهاتك للواقع المرير ؟ أين
اعتراضك على أموالٍ هُدِرت، وأجيال دمرت؟ لماذا السْكُوت عن كلّ هذا والتجرؤ على ما لا
يُوافق هَواك فقط ، وجَعلْتُ من نفسِك عالماً في كلِّ شيء، وأنت لا تَعْلَم شيئاً، ولا ثوابتَ
عندك ، ولا رغبة لديك في التغيير والتبديل قبل أنْ يُداهِمكَ الموتُ فجأةً فَتَلْقَى اللهَ مُفْلِساً، وإنْ
صلَّيتَ وزكَّيْتَ وزَعَمْتَ أنَّك مُسْلِم...
* اعلم أنه لا يمنعك قضاء قضيته بالأمس فراجعت فيه نفسك وهُديت فيه لرشدك؛ أن تراجع
فيه الحق، فإن الحق قديم لا يبطله شيء، والرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل.
* ويا حبذا لو فهمنا وعملنا بقول الشاعر :-
ازرع جميلاً ولو في غير موضعه فلا يضيع جميل أينما زُرِعا
إن الجميل وإن طال الزمان به فليس يحصده إلا الذي زَرعا
سبحان الله كيف للصورتين أن تلتقيان إلى قاسم مشترك وتشابه رغم الاختلاف ولسان حالهما يقول ( حتى إذا جاؤوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم.... ) (سورة الزمر الآية 73) وينسون ويغفلون عن (حتى إذا جاؤوها فتحت أبوابها وقال لهم خزنتها ألم يأتكم رسل منكم .... ) (سورة الزمر الآية 71) .
ولا تدبير إلا تدبير الله !!