يوم الجمعة
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ص: «خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة: فيه خُلق آدم، وفيه أدخل الجنة، وفيه أُخرج منها، ولا تقوم الساعة إلا يوم الجمعة» (رواه مسلم).هذا الحديث الشريف يتحدث عن مزايا يوم الجمعة مبينًا في البداية أنه اليوم الذي خلق فيه آدم، مخلوقًا مكرمًا ومفضلًا على كثير من العالمين، إنها نعمة الوجود بالنسبة للبشرية جمعاء، ولا أعظم ولا أكبر من نعمة الوجود، لأنها أساس كل النعم، وما عداها تابع لها، بل لا يكون بدونها، فيوم الجمعة هو بداية تاريخ ميلاد البشرية.ويوم الجمعة هو اليوم الذي أدخل فيه آدم عليه السلام الجنة.. وذاك أيضًا حدث عظيم لما فيه من الكرامة في الجنة وإعداد آدم للخلافة في الأرض.وفيه تقوم الساعة، حين يجمع الله تعالى الأولين والآخِرين ليحكم بينهم بالعدل، ويجزي المحسنين بالحسنى.. وهل هناك ما هو أعظم من إقامة العدل وإجزال المثوبة؟
كل ذلك واضح ومفهوم لخيرية يوم الجمعة على سائر الأيام، لكن الذي قد يلتبس على الكثيرين هو: كيف يكون يوم الإخراج من الجنة والإهباط إلى الأرض يومَ فرح وسعادة وخيرية؟ كيف يكون الخروج من دار الكرامة عيدًا، في حين أن الطرد من الديار والأوطان يعتبر من أكبر النكبات وأعظم المصائب؟!الخطأ الكبير في هذا الفهم ناشئ من الظن بأن نزول آدم وزوجَه على الأرض كان عقوبة من الله تعالى لهما على الأكل من الشجرة، بينما يبرز القرآن، من الآيات الأولى في سورة البقرة، إعلان الله تعالى للملائكة {إني جاعل في الأرض خليفة} أي أنّ الإنسان قد خُلق منذ البداية لهذه المهمة الجليلة والوظيفة العظيمة، التي هي إعمار الأرض بمنهج الله تعالى، واستلام زمام الأمور فيها، وعليه فإن خروج آدم وزوجه من الجنة تعليم وتتويج، تعليم لواجبات الدين وتبصيرٌ بالمهمة وجبهة الأعداء والأصدقاء، وتتويجٌ له على خلافة الأرض، إنها مكانة عظيمة اغتاظ لأجلها إبليس، وحسد آدمَ عليها، وتشوّفتْ لها نفوس الملائكة الكرام، حين ألمحوا إلى ربهم العليم الكريم أنهم أجدر بها من الإنسان {أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك}.
ومن فضل الله تعالى أن الأمّة المسلمة قد اهتدت إلى يوم الجمعة، فيما ضل عنه أهل الكتاب، وهذا الاهتداء إنما هو في حقيقته توجّه إلى أمانة الخلافة والقيام بحقها، والضلال عنه إنما هو ضلال عن هذه الوظيفة وتضييع لتلك الأمانة.