الحمد لله الذي أوجب على عباده العدل بقوله سبحانه: {وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} [سورة النحل:90] ، بل إن الحق تبارك وتعالى أمر أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم أن يلتزموا العدل حتى مع قوم يكرهونهم في الله لكفرهم، فقال عز من قائل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [سورة المائدة:8].سبحان الله!! من كان يتخيل قبل بضعة شهور، أن يرى فرعون مصر حسني مبارك في قفص الاتهام، يجيب عن أسئلة القاضي مثلما يجيب أي متهم من عامة الناس، وزيادة على ذلك أن تنقل التلفزة وقائع المحاكمة التاريخية على الهواء إلى مشارق الأرض ومغاربها!!أين الكبر الذي كان مظهراً يومياً في فترة التسلط؟وأين الفخامة التي كانت تستفز فقراء مصر ومساكينها؟كل ذلك ولى وأصبح حسرات في قلبه وقلوب أعوانه على ظلم مصر وأهلها!! ألم يكن في وسع مبارك النزول من عرش فرعون منذ اندلاع الاحتجاجات الشعبية ضده، ليوفر على نفسه هذه المهانة؟!بلى لكن المكابرة سمة متجذرة لدى فراعنة العصر الحديث، الذين يتوهمون أنهم مخلدون في الحكم بل وفي الحياة!! علماً بأن لفراعنة الزمن العتيق سجية يفتقر إليها المتجبرون المعاصرون، وهي أن الفراعنة القدامى-على كفر بعضهم وظلمهم للناس- لم يكونوا خونة لبلادهم ولا عملاء في أيدي أعداء شعبهم!!لا نقول هذا من باب الشماتة، وإنما من باب التذكير بسنن الله في الأنفس والآفاق، التي يأنف العملاء المتفرعنون عن الإصغاء إليها، ومنها:أن الله عز وجل يداول الأيام بين الناس، فهو سبحانه مالك المُلْك، يؤتي المُلْكَ من يشاء وينزعه ممن يشاء.إنها موعظة بليغة لكل مستبد يسوم شعبه سوء العذاب، مغترّاً بقوة أزلامه وأنصابه، ووحشية استخباراته ودموية جلاديها. وما من ريب في أن الطغاة المتبقين في ديار العرب والمسلمين تابعوا مشهد مبارك وولديه المدللين في القفص، بثياب المتهمين، تابعوه بقلق وهلع!! غير أنهم بحكم صلفهم الهزلي لن يتخذوا من المشهد المرعب عبرة، تجعلهم يغادرون في الوقت الملائم، فقرناؤهم من شياطين الجن والإنس سوف يعززون مرض نفوسهم الخبيثة، ليتوهموا أنهم لن يلاقوا هذا المصير!! وبعضهم سوف يأخذه الرعب من سوء المآل إلى مزيد من العناد فيمضي في قتل شعبه الأعزل حتى يأتيه الموت، لئلا يقف موقف الذلة الذي يقفه الآن الرئيس المخلوع لأكبر دولة عربية!! والعاقل من يتعظ بغيره، والشقي لا يتعظ إلا بنفسه بعد فوات الأوان.وفي الوقت ذاته، ننتهز هذه الفرصة الثمينة لننصح الأشقاء في مصر، بأن يكون العدل رائدهم في المحاكمة، لأن العدل واجب في كل حال، ولكي نضاعف من خزي الطغاة الذين دأبوا على تلفيق محاكمات صورية لخصومهم، ونتائجها محددة من قبلهم سلفاً!! فخسئ هؤلاء أن يكونوا أسوة لنا. فالحق غايتنا والعدل يسعنا ويشفي صدور المؤمنين.ولا مفر هنا من التنبيه إلى أهمية محاكمة مبارك باعتباره أول طاغية عربي، يحاكمه شعبه أمام محكمة عادية لا استثنائية. وفي هذا نسف لمقارنة باطلة بين محاكمة مبارك وتمثيلية قتل صدام حسين، من دون التهوين من جرائم الأخير، لكن محاكمة صدام جرت تحت أقدام غزاة صليبيين، وكانت مهزلة القرن باعتراف كبار رجالات القانون الأجانب!! ابتداء من تأليف المحكمة إلى تحديد قانون خاص بها، لمحاكمة الرجل بأثر رجعي خلافاً لأبجديات القوانين التي تمنع هذا التلاعب منعاً مطلقاً، لما فيه من ظلم بيّن ونية مبيتة وأحكام مسبقة يتم تسويقها من خلال مظاهر قانونية فحسب. ناهيكم عن البذاءات الطائفية الصفيقة التي ترافقت مع قتل صدام صبيحة يوم عيد الأضحى، حتى قال حسن العلوي-الشيعي وطريد نظام صدام-قال:لقد اغتالوا صدام حسين السني ولم يعاقبوا صدام حسين المستبد!!
وختاماً: فإننا نضرع إلى الله تعالى ألا يطيل الزمن الذي يفصلنا عن رؤية سائر الطواغيت تحت قبضة العدالة، أذلاء صاغرين، يتمنون الموت فلا يجدونه، لكي ينزل بهم القصاص العادل في الدنيا ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعقلون!! فقد طغى هؤلاء وبغوا وأسرفوا في ظلم شعوبهم وولغوا في دماء الأبرياء وشردوا مواطنيهم وامتلأت سجونهم بهم حيث يتعرضون لتعذيب وحشي ساديّ نفسياً وبدنياً.
8/9/1432 هـ
--------------------------------------------------------------------------------
المصدر: موقع المسلم