● ـ رجال من مدرسة النبوة : عبدالله بن حذافة السهمي .
* ـ الحمد الله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين سيدنا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين .. أما بعد .
* ـ قصة وعبرة :
* ـ هذه القصة لرجل من الرعيل الأول الذي تخرج من مدرسة النبوة على صاحبها الصلاة والسلام .. فقد رسموا للتاريخ معالمه ووضعوا له خرائطه فكانوا أعلام في كل زمان يقتدى بهم رضي الله عنهم، فشخصية اليوم هو الصحابي الجليل عبدالله بن حذافة بن قيس السهمي، القرشي، رضي الله تعالى عنه من المهاجرين، أسلم قديماً، وهاجر إلى الحبشة، وأرسله النبي صلى الله عليه وسلم بكتابه إلى كسرى، وفي عهد سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، أرسل إليه قائلاً : اغزُ الروم، وتولىِ على جيش الغزو فخرج عبدالله بالجيش لغزو الروم، وأَوْقَعَ بهم، ولكنه بينما كان في ثلة قليلة من أصحابه فاجأهم كمينٌ من الروم فأخذوهم أسرى، ولما دخلوا بهم على هرقل، قيصر الروم، في القسطنطينية، قالوا له : هذا الرجلُ، عبدالله بن حذافة، من قريش، ومن أصحاب نبيّهم المقربين إليه، وكان هرقلُ يسمع عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ويعجبُ من أمرهم ومما فعلوه به وبجيشه، وكيف أخرجوه من الشام مذموماً مدحوراً على الرغم من قلة عددهم، وكثرة عدد جيشه، وكان يحبُ أن يرى بعضَهم ليختبرهم بنفسه، وليرى أي نوع من الرجال هم .
لذلك دفعه هرقل إلى أحد رجال الروم، وقال له : أَجِعْه، ثم أطعمه لحم الخنزير، فأجاعه الرجلُ، وكان يأتيه كل يوم بلحم خنزير فيضعه أمامه ليأكله، ولكن عبدالله بن حذافة كان يٌعرض عنه ويقول : هذا طعامٌ لا يحلُّ لنا أكله، ومضى على ذلك أيام حتى أشفى على الهلاك، فأخبر الرجلُ هرقل بذلك، فقال له : أطعمْه ما يريد، من غير لحم الخنزير، ثم أَعْطِشْه، وأعطه خمراً ليشربها بدلاً من الماء، ففعل الرجل ذلك، ولكن عبدالله كان يعرض عن الخمر أيضاً ويقول : هذا شرابٌ لا يحل لنا شربه، حتى أشفى على الهلاك أيضاً، فأخبر الرجل هرقل بذلك وقال له : إن كانت لك حاجةٌ في الرجل فأطعمه ما يريد ودعه يشرب ما يريد قبل أن يهلك، فقال هرقل : دَعْه يأكل ويشرب ما يريد، إنني بلوته بالضراء وسأبلوه بالسراء، أرسلوا إليه أفخر الطعام والشراب والثياب والجواري الحسان، فأرسلوها إليه، ولكن عبدالله ما كان يلتفت إلى شيء من ذلك، كان لا يأكل إلا قوتاً ولا يشرب إلا كفافاً ولا يبدل ثوبه إلا إذا اتسخ، وما كان يلتفت إلى الجواري والقيان، وقد سألهنّ هرقلُ : أما كان منه إليكن ّحركة ؟ فقلن : لا والله، ما التفت إلينا .
عند ذلك أرسل إليه هرقل وقال له : قد بلوتك بالضراء والسراء فصبرت، فهل لك أن تُقَبِّلَ رأسي وتنجو بنفسك ؟ قال : لا، لا أقبّل رأسك لأنجو بنفسي فقط، فقال له : فهل لك أن تقبّل رأسي وأدفع لك كل أسير من المسلمين عندي ؟ قال : نعم، وفي رواية أنه راوده قبل ذلك على أن يترك الإسلام ويدخل في دينه، فيزوجه بنته ويجعله من خاصته ولكنه رفض ذلك رفضاً قاطعاً، وقبّل عبدالله بن حذافة رضي الله تعالى عنه رأسَ هرقل، ودفع إليه هرقل جميع أسارى المسلمين الذين عنده (وكانوا ثمانين رجلاً) فعاد بهم إلى عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، وعندما قصّ القصة على عمر قام وقبل رأسه وقال له : يرحمك الله، ما منعك إذ بلغَ بك الجهدُ ما بلغ أن تأكل لحم الخنزير وأن تشرب الخمر، فقال : والله يا أمير المؤمنين، لقد علمتُ أن ذلك موسوعاً لي ولكنني كرهتُ أن يشمتَ الرومُ وهرقلُ بالإسلام وأهله، رحم الله تعالى عبدالله بن حذافة رضي الله تعالى عنه رحمةً واسعة فقد ضَرَب مَثَل المسلم الحق كما أراده النبي صلى الله عليه وسلم : (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)، أين هذا المبدأ من مبدأ الأنانية والغرور الذي ضربه ملك فرنسا لويس الخامس عشر عندما قال : أبقى أنا ما بقيت، وبعدي يكون الطوفان، وكان مِنْ بعده الطوفان، فَقُطِع رأس خليفته من بعده لويس السادس عشر بالمقصلة على أيدي رجال الثورة الفرنسية، أما مبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان من نتيجته إنشاء أمة هي خير أمة أخرجت للناس، هكذا يكون الإيثار وتقديم الأخ على النفس، فهذا ما زرعه النبي صلى الله عليه وسلم في أنفسهم رضى الله عنهم، لذلك سادوا العالم ونشروا الإسلام واحتار فيهم الملوك والفلاسفة وغيرهم، أفلا نتعظ ونعتبر .
اللهم اجعلنا متحابين فيك يؤثر كلاً منا أخيه على نفسه .. إنك ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله على سيد البشر وعلى آله وصحبه وسلم .