● ـ يا ابن آدم أنفق .. ينفق عليك .
* ـ الحمد الله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين سيدنا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين .. أما بعد .
قال تعالى : يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون ( سورة الحشر : 18 ) .. إن نعم الله علينا لا تعد ولا تحصى ومن نعمه سبحانه وتعالى انه جعلنا امة رحيمة يرحم الكبير فيها الصغير والغني فيها الفقير .
* ـ إخواني :
ـ إن الناظر اليوم في أحوال إخواننا المسلمين يرى ما يُدمع العين ويجرح الفؤاد على ما هم فيه من تقلب الأحوال وتردي الأوضاع فهناك اضطرابات وقلاقل وموت واغتيالات وسفك للدماء وهناك جوع وعطش فمرض وموت .. أحوال تجعل الحليم حيراً فهؤلاء إخوانا لنا في الدين والملة ونحن مسئولون عنهم لان الله سبحانه وتعالي قد شرح التكافل الاجتماعي وحد أطره وبين سبيل الوصول إليه وسن ما يحفظه قال تعالى : (الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سراً وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون) (البقرة : 27 ) .. وفي الصحيحين عن النعمان بن بشير رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى شيئاً تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) .. وفيهما عن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا، وشبك بين أصابعه) .
لذلك امتدح الشارع الحكيم الإنفاق والمنفقين في أوجه الخير وضمن للمنفق الخلف لان النفس البشرية تخشى الفقر فقال تعالى : (وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه) (سبأ : 39 ) .. ويروي أبو هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله : (ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما : اللهم أعط منفقاً خلفاً ويقول الآخر : اللهم أعط ممسكاً تلفا) متفق عليه .. وعنه أن رسول الله قال : (قال الله تعالى : أنفق يا ابن آدم ينفق عليك) متفق عليه .
وليكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوتنا في ذلك فعن عائشة رضي الله عنها أنهم ذبحوا شاة فقال النبي : (ما بقي منها ؟ قالت : ما بقي منها إلا كتفها . قال : بقي كلها غير كتفها) رواه الترمذي وقال حديث صحيح .
إن الإنفاق سبيل من سُبل اللحمة الاجتماعية بين ألأمة وهو واجب إذا دعت الحاجة إليه كما نرى ونسمع اليوم ما يحصل في بعض الدول العربية من نقص في المواد الغذائية وما يحصل في بعض الدول الإفريقية من جوع وعطش ومرض وموت .. وفي الأمس القريب نُفجع أن عدد الأطفال الموتى من جراء الجوع بلغ خمسة وعشرون ألف طفل .
* ـ إخواني :
ـ لنا أن نتخيل منظر الأم والأب ينظرون إلى أبناءهم يمتون أمامهم .. لنا أن نتخيل الألم الذي يتجرعه هؤلاء من جراء الجوع فلقد يبست جلدهم ولا نراء إلا هياكل عظمية متحركة .. ونحن نتلذذ في المأكل والمشارب ونبذر في ذلك كأن الأمر لا يعنينا من قريب ولا بعيد .. فما عذرنا عند الله .. عذراً إليك إلهي .. عذراً إليك إلهي .. عذراً إليك إلهي .
* ـ إخواني :
ـ إننا في شهر خير وبركة فلنتصدق ولو بالقليل فأول الغيث قطرة قال رسول الله : (من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب ولا يقبل الله إلا الطيب، فإن الله يقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فلوه حتى تكون مثل الجبل) متفق عليه .
* ـ ولعلي اختم بهذا الحديث الذي يرويه أبو عمرو جرير بن عبد الله ـ رضي الله عنه ـ قال : كنا عند رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في صدر النهار قال : (فجاءه قوم حفاة عراة مجتابي النمار أو العباء، متقلدي السيوف، عامتهم من مضر، بل كلهم من مضر، فتمعر وجه رسول الله عليه الصلاة والسلام لما رأى بهم من الفاقة، فدخل ثم خرج، فأمر بلالاً فأذن وأقام فصلى ثم خطب فقال : (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً) (النساء : 1)، وقوله تعالى : (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون) (الحشر : 18) تصدق رجل من ديناره، من درهمه، من ثوبه، من صاع بره، حتى قال : ولو بشق تمره .. فجاء رجل من الأنصار بصرّة كادت كفه تعجز عنها بل قد عجزت قال : ثم تتابع الناس حتى رأيت كومين من طعام وثياب، حتى رأيت وجـه رسول الله يتهلل كأنه مذهبة .. فقال رسول الله : (من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء) رواه مسلم.
في الختام اسأل الله عز وجل يمنه وكرمه أن يحفظ علينا النعم وان يزيدنا من كريم فضله انه ولي ذلك والقدر عليه .. وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم .