بعد سقوط ابن السكن بقى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى القرشيين فقط ، ففى الصحيحين عن أبى عثمان قال : لم يبق مع النبى - صلى الله عليه وسلم - فى بعض تلك الأيام التى يقاتل فيهن غير طلحة بن عبيد الله وسعد بن أبى وقاص ، وكانت أحرج ساعة بالنسبة إلى حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وفرصة ذهبية بالنسبة إلى المشركين ، ولم يتوان المشركون فى انتهاز تلك الفرصة ، فقد ركزوا حملتهم على النبى - صلى الله عليه وسلم - وطمعوا فى القضاء عليه ، رماه عتبة بن أبى وقاص بالحجارة فوقع لشقه ، وأصيبت رباعيته اليمنى السفلى وكلمت شفته السفلى ، وتقدم إليه عبد الله بن شهاب الزهرى ، فشجه فى جبهته ، وجاء فارس عنيد هو عبد الله بن قمئة فضرب على عاتقه بالسيف ضربة عنيفة ، شكا لأجلها أكثر من شهر ، إلا أنه لم يتمكن من هتك الدرعين ، ثم ضرب على وجنته - صلى الله عليه وسلم - ضربة أخرى عنيفة كالأولى، حتى دخلت حلقتان منحلق المغفر فى وجنته ، وقال : خذها وأنا ابن قمئة . فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يمسح الدم عن وجهه : أقمأك الله .
وفى الصحيح أنه - صلى الله عليه وسلم - كسرت رباعيته ، وشج فى رأسه ، فجعل يسلت الدم عنه ويقول : كيف يفلح قومٌ شجوا وجه نبيهم ، وكسروا رباعيته وهو يدعوهم إلى الله ، فأنزل الله عز وجل : {ليس لك من الأمر شئ أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون }.
فأما سعد بن أبى وقاص ، فقد نثل له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كنانته ، وقال : ارم فداك أبى وأمى . ويدل على مدى كفاءته أن النبى - صلى الله عليه وسلم - لم يجمع أبويه لأحد غير سعد .
ولما تجمع المشركون حول الرسول - صلى الله عليه وسلم - ومعه نفر من الأنصار . قال جابر : فأدرك المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : من للقوم ، فقال طلحة : أنا ، ثم ذكر جابر تقدم الأنصار ، وقتلهم واحداً بعد واحد بنحو ما ذكرنا من رواية مسلمن، فلما قتل الأنصار كلهم تقدم طلحة ، قال جابر ثم قاتل طلحة قتال الأحد عشر حتى ضربت يده فقطعت أصابعه ، فقال : حسن ، فقال النبى - صلى الله عليه وسلم - لو قلت : بسم الله لرفعتك الملائكة والناس ينظرون ، قال : ثم رد الله المشركين .